عدد الزوار
تدمر

تدمر هي مدينة سوريّة أثريّة، كانت واحةً في العصور الغابِرة؛ ومُلتقىً للقوافل التّجاريّة؛ حيث جذبت أشخاصاً من ثقافاتٍ وبُلدانٍ مُتنوِّعةٍ؛ كانوا يتوقّفون فيها أثناء ترحالِهم بين فارس في الشّرق، وروما في الغرب. استولى الرّومان على المدينة في القرن الأوّل بعد الميلاد، واستطاعوا حمايتَها من هيمنة مُنافِسيهم من الفُرس، وحكمتِ المدينةَ في مُنتصف القرن الثّالث ملكةٌ تُدعى زنوبيا، حاولت توسيع مملكتها، والاستيلاء على مصر، وآسيا الصُّغرى -تركيا- ولكنّها هُزِمت، ووقعت في قبضة الرّومان الذين دمَّروا مدينتَها. وقد أُعيد بناء هذه المدينة لاحقاً، ولكنّها فقدت أهميّتها التاريخيّة؛ بسبب تغيُّر طُرُق القوافل التجاريّة التي لم تعُد تمرّ فيها.
تقع مدينة تدمر وسط دولة سوريا تقريباً، على مسافةٍ تقارب 210كم شمال شرقيّ العاصمة السوريّة دمشق، وتتمركزُ تدمر في منتصف المسافة تقريباً بين البحر الأبيض المتوسّط غرباً، ونهر الفُرات شرقاً، ولذلك كانت مركزاً مُهمّاً للطّرق التجاريّة بين الشّرق والغرب في الحِقَب التاريخيّة المختلفة، كما كان لها دورٌ مُهمّ ذو أهميّةٍ كبيرةٍ في الرَّبطِ بين الإمبراطوريّة الرومانيّة، وبلاد ما بين النّهرَين.[٢] تقع مدينة تدمر على بُعد 150كم إلى الشّرق من حمص، وتتوسّط باديةَ الشّام، وهي صحراء قاحلة في شرقيّ سوريا، وتقع المدينة في معبرٍ جبليٍّ على سفح جبل المنظار، بين سلسلة جبال تدمر، وهي قريبةٌ من نبعٍ غنيٍّ بالماء، جعل منها واحةً خضراء مُنذ العصور القديمة، توقّفت فيها القوافل الوافدة من مُختلف البلاد المُجاوِرة، مثل: الخليج العربيّ، وفارس، وبلدان حوض البحر المتوسّط.[٣]
 
تُعدّ تدمر من المدن الأثريّة المهمّة في المنطقة، وقد ذُكِرت باسمها الحاليّ في كتب التاريخ للمرَّة الأولى قبل ميلاد المسيح بما يُقارِب ألفَي سنةٍ، ومصدرُ هذا الاسم ليس معروفاً تحديداً، ولكن قد يكونُ مُشتَقّاً من دَمَرَ؛ بمعنى حَمَى في اللّهجات العربيّة القديمة، أمّا في اللغات اللاتينيّة والإغريقيّة فقد عُرِفت باسم بالميرا؛[٣] ويعني حرفيّاً مدينة النّخيل، وقد أطلقه الحُكّام الرّومان على المدينة في القرن الأوّل بعد الميلاد.[٢] وقعت بحيرة ماءٍ عذبٍ كبيرة قديماً في مُنخفض الملّاحة الواقع شرقيّ تدمُر، وقد استفاد الإنسان القديم من مياه هذه البُحَيرة، ومن صيد الحيوانات التي كانت تهيمُ حولها، ثمَّ تلجأ إلى الجبال بعدها؛ حيث عُثِر فيها على أدواتٍ حجريّةٍ تعودُ إلى عشرات آلاف السّنين، وكشفت البحوث الأثريّة عن قطع فخّارٍ تعودُ إلى العصر البرونزيّ، منذ حوالي ألفي سنةٍ قبل الميلاد، وأُشير إلى المدينة في نصوصٍ ومخطوطاتٍ قديمةٍ عُثِر عليها في مدينتَي: ماري، وإيمار الواقعة على الفرات، وكذلك في مخطوطات آشوريّة عُمرها أكثر من ألف سنةٍ قبل الميلاد.[٣] يُعتقَد أنّ المدينة دُمِّرت في زمن الدّولة البابليّة الحديثة أو الدّولة الأخمينيّة الفارسيّة؛ قبل الميلاد بحوالي خمسمئة سنةٍ، ولكنّها أعادت أمجادها واكتسبت أهميّتها في العصر السلوقيّ، حينها أصبحت مدينةً مُستقلّةً، مثلها مثل دولة الأنباط جنوباً، وإمارة حمص غرباً. وفي القرن الأوّل بعد الميلاد استولت الإمبراطوريّة الرومانيّة على تدمر، ثمّ منحها الإمبراطور هادريان امتيازات مدينةٍ حُرّةٍ؛ بحيث استطاع حُكّامها سنَّ القوانين والتّشريعات حسب ما رأَوْه مُناسباً، ولكنّها فقدت أهميّتها التجاريّة عندما سيطرت الدّولة الفارسيّة على بلاد ما بين النّهرَين عام 228م، وبقيت كذلك حتّى نجح بعضُ حكَّامها في صدِّ الفُرس، والدّفاع عنها.[٣] وأثناء القرن الثّالث تولّت الملكة زنوبيا -أشهر حُكّام تدمر عبر التّاريخ- حُكمَ تدمر، ونجحت في رفع قَدر المدينة وثروتها وحظوتها في أوقاتٍ صعبةٍ، كانت تمرّ فيها الإمبراطورية الرومانيّة في فوضىً سياسيّةٍ شديدةٍ، وتوسَّعت مساحة مملكة تدمر بصورةٍ مُفاجِئةٍ وكبيرةٍ جداً في عهد زنوبيا؛ حيث امتدَّت لتُسيطر على الشّام، وفلسطين، ومصر بعد أن انتزعت هذه الولايات كلّها من الرّومان، ووُلِدت بذلك إمبراطوريّة تدمر، إلّا أنَّ زنوبيا خسرت الحرب في آخر الأمر، ووقعت في قبضة الإمبراطور الرّوماني أوريليان، الذي أمر بنهب مدينة تدمر وتخريبها؛ لإخماد ثورَتها. أُعيد بناء تدمر لاحقاً، ولكنّها لم تستعدْ أهميَّتها وثروتَها الاقتصاديّة السّابقة قطّ.[٤]
 
ما زالت مدينة تدمر غنيّةً بالآثارٍ التّاريخيّة؛ ففيها أطلال مدينةٍ قديمةٍ، كانت مركزاً ثقافياً كبيراً في الماضي، وبين القرنَين الأوّل والثاني الميلاديَّين اصطبغت تدمر بفنٍّ معماريٍّ فريدٍ؛ يجمعُ بين فُنون عمارة الحضارات المختلفة التي عاشت حول هذه المدينة، فبرزت فيه عناصرُ من العمارة الرومانيّة واليونانيّة، امتزجت مع الثقافة المحليّة، وتأثَّرت بالفن الفارسيّ، وفي القرنين السّابع والثامن عشر تأثّر الرّحالة الأوروبيّون كثيراً بفنّ العمارة الفريد في تدمر؛ فنقلوه إلى الغرب، وكان لهذا دورٌ أساسيّ في إحياء أنماط التّصميم المعماريّ التاريخيّة في دول الغرب.[٥] يمرّ وسطَ المدينة شارعُ أعمدةٍ كبير، ذو أهميّةٍ تاريخيّةٍ كبيرةٍ، على جانبيه ممرَّاتٌ مُغطّاة، وتتفرَّعُ منه شوارع صغيرة لها تصاميم مُماثِلة، وأحد الأبنية الأثريّة في المدينة، واسمه معبد بعل، يُعدّ أحد أهمّ المعابد الدينيّة التي بُنِيت في القرن الأوّل في بلاد الشّرق،[٥] أمّا في جنوب تدمر فيقع المسرح، ومقرّ مجلس الشّيوخ، والسّاحة العامّة التي كان يلتقي فيها أهل المدينة.[٢]
 

®إنضم لفريق المتميز للتسوق الإلكتروني
ليصلك كل جديد