وزير المالية الأسبق: حاجة الإنفاق الفعلية لا تتعدى 50 بالمئة من موازنة 2020..والعجز غير واقعي
بيّن وزير المالية الأسبق الدكتور خالد المهايني أن العجز المقدّر في موازنة 2020 بمبلغ 1455 مليار ليرة سورية؛ ليس عجزاً واقعياً، نظراً لأنه لن يتم صرف كامل الموازنة العامة للدولة.
وبين أننا لسنا بحاجة لإنفاق مبلغ 4000 مليار ليرة وفق بنود الموازنة العامة المعروضة، وقد تكون الحاجة الفعلية لا تتعدى 40 بالمئة إلى 50 بالمئة من هذا الرقم، وفقاً لما يتم إنفاقه حالياً، وذلك لأن وزاره المالية اعتمدت منذ عام 2012 مبدأ أساس الاستحقاق في إعداد الموازنة العامة للدولة، وليس وفق مبدأ الأساس النقدي المعتمد في القانون المالي الأساسي للدولة رقم ٥٤ لعام ٢٠٠٦، والنظام المالي للهيئات العامة ذات الطابع الإداري الصادر بالمرسوم رقم ٤٨٨ لعام ٢٠٠٧ والنافذين حالياً في سورية، منوهاً بأنه لو تم اعتماد الأساس النقدي لما بلغت موازنة 2020 هذا الحجم (4000 مليار ليرة)، لأنه رقم كبير لا يتم إنفاقه وفق ما تقدم ويتجاوز احتياجات الإنفاق الحالية.
علماً بأن المحاسبة الحكومية التي تطبق على حسابات الموازنة العامـة للدولـة تأخذ في معظم الدول حاليـاً الأساس النقدي أو الأساس النقدي المعدل وذلك بما ينسجم مع طبيعة المحاسبة الحكومية التي تختلف عن المحاسبة المالية المطبقة في الشركات والمنشآت الربحية بهدف قياس الربـح في نهاية العام، على حين إن المحاسبة الحكومية تهدف إلى قياس فائض أو عجز الموازنة العامة للدولة وبالتالي استناداً لأحكام النظام المالي للهيئات العامة ذات الطابع الإداري المشار إليـه فإنـه لا يدخـل في حساب السنة المالية إلا الإيرادات المقبوضة والنفقـات المدفوعة.
بالانتقال مع الدكتور المهايني إلى موضوع فروقات الأسعار، وهو الخبير الذي شغل منصب وزير المالية طوال 15 عاماً (1987-2002) ومن ثم إعداد 15 موازنة في عهده، فإنه لأول مرة يتم سحب كتلة فروقات أسعار المشتقات النفطية من الإيرادات الجارية (كانت تدرج تحت بند إيرادات متنوعة) والاحتفاظ بها في حساب شركة «محروقات» بوصفه إجراء أكثر اقتصادية، بحسب بيان الحكومة المالي، وتأكيدات وزير المالية مأمون حمدان أمام مجلس الشعب خلال مناقشة مشروع الموازنة، وبلغت تلك الفروقات نحو 1054 مليار ليرة سورية، بزيادة نحو 279.3 مليار ليرة عن 2019، علماً بأن الإيرادات الجارية قدرت بمبلغ 1430.87 مليار ليرة في موازنة 2020.
وعليه، أوضح المهايني أن فروقات الأسعار تنجم عاده عن الفرق بين تكلفة الحصول على المشتقات النفطية وأسعار بيعها المقررة للمواطنين والجهات الأخرى في سورية، علماً بأن تأمين تلك المشتقات يكون عادة عبر مصدرين، الأول من خلال ما يتم توفيره من الإنتاج المحلي المتاح للنفط الخام، وتكريره في المصافي، حيث يتم احتساب سعر البرميل المنتج محلياً للمصفاة بالسعر العالمي للنفط الخام، والمصدر الثاني عبر الاستيراد وهو الرقم الأكبر حالياً بسبب الأزمة.
وبيّن أن فروقات الأسعار كانت توّرد وفق التعليمات النافذة إلى الخزينة العامة بشكل شهري، ويتم استخدامها لتغطية أعباء الرواتب والأجور المخصصة في الموازنة العامة، وهي موارد تأتي إلى الخزينة على مدار العام، لافتاً إلى أن فروقات الأسعار في الحقيقة تعتبر في جزء منها فوائض للشركات ذات الطابع الاقتصادي مثل «محروقات»، وتعتبر في جزء منها ضريبة دخل، لأن شركة «محروقات» على سبيل المثال سوف تحقق زيادة في إيراداتها –كما يتوقع حصوله العام الجاري 2019- لم تنجم عن زيادة نشاطها التشغيلي، وإنما نتيجة قرارات زيادات أسعار المشتقات النفطية، وبالتالي يزيد ربحها وفوائضها التي هي من حق الخزينة العامة، ومن ثم تقوم وزارة المالية باحتساب هذا الربح في بند إيرادات فروقات الأسعار، وتسجل تنظيمياً في باب الإيرادات المتنوعة ضمن الإيرادات الجارية، كي يتم تحصيلها للخزينة أولاً بأول، وبشكل شهري، وخاصة أن فروقات الأسعار تشكل نسبة مهمة من الإيرادات، أما عدم تسجيلها وفق هذه الطريقة، فإن الأرباح سوف تظهر نهاية العام في الشركة، وبالتالي سوف تؤول إلى الخزينة العامة وفق مبدأ الصوافي، وليس بشكل شهري، منوهاً بأن هذا الإيراد الناجم عن فروقات الأسعار هو حق الدولة في النهاية، ويجب أن تحصله الخزينة.
وبيّن أن عدم تسجيل فروقات الأسعار في الإيرادات المتنوعة (ضمن الإيرادات الجارية) قد يعني أن الخزينة لن تحصل هذه الإيرادات بشكل شهري، وإنما سوف تنتظر لنهاية العام، وبالتالي فإن وصف هذا الإجراء بالأكثر اقتصادية، يعني أنه تم الاحتفاظ بتلك الإيرادات في الشركة، إذا تبين لوزارة المالية أن هناك مشتقات نفطية تخسر، وخاصة التي يتم تأمين معظمها عبر الاستيراد، أي بالسعر العالمي، وبالتالي فإن بيعها بسعر أقل من التكلفة ينجم عنه خسارة، في المقابل قد يكون هناك مشتقات رابحة، نظراً لتأمين جزء منها من الإنتاج المحلي، لذا فإن الفكرة من ترك إيرادات فروقات الأسعار في شركة «محروقات» قد يكون لتظهر النتائج الكاملة للشركة، في كل منتجاتها، وفق مبدأ أن تحمل المنتجات الرابحة، الأخرى الخاسرة، أو قد يكون لتخفيف خسارة الشركة بشكل عام.
ونوّه المهايني بأن تقدير فروقات أسعار بمبلغ 1054 مليار ليرة عام 2020 هي عن المشتقات النفطية الرابحة، لافتاً إلى أن هناك مواد أخرى رابحة وتحقق فروقات أسعار غير المشتقات النفطية مثل الحديد والخشب والإسمنت، يتم سحبها عادة بشكل شهري من الشركات الاقتصادية المعنية ببيع تلك المواد مثل «عمران» و«الإسمنت».
بيّن المهايني أن توقع زيادة الإنتاج المحلي للنفط بنحو 66 ألف برميل يومياً العام القادم، من شأنه تخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ثم قد يكون هذا سبباً رئيساً لتحقق فروقات في أسعار المشتقات النفطية، نظراً لزيادة حصة النفط المؤمن من الإنتاج المحلي، والذي يسعّر للمصافي بالسعر العالمي للنفط الخام، وهو احتمال وارد أيضاً إلى جانب الاحتمالات السابقة.
من الجدير ذكره أن فاتورة دعم المشتقات النفطية انخفضت بأكثر من 97 بالمئة في موازنة 2020، ما يسهم في تقليص خسارة «محروقات»، وهو ما صرحت به مصادر الشركة بأن سببه الرئيس تطبيق نظام الشرائح على البنزين، إذ منها شريحة تباع بسعر التكلفة، وبالنسبة للمازوت، هناك مواطنون يحصلون على المادة بالسعر المدعوم، والبعض الآخر يحصل عليها بالسعر الصناعي 296 ليرة للتر الواحد، وهو سعر قريب من التكلفة.